المساق

الوحدة الثانية: أصحاب البلاد

7 دروس

بعد أن درسنا الوحدة الأولى في دبلوم سفير فلسطين والتي تضمنت ما يتعلق بالنكبة الفلسطينية عام 1948، وتاريخ التصريحات البلفورية بالإضافة إلى فلم المخدوعون وفلسطينيو لبنان، فإننا سندخل في الوحدة الثانية إلى الداخل الفلسطيني كما صار بعد النكبة الفلسطينية عام 1948 عبر سلسلة  “أصحاب البلاد” من إعداد وإخراج روان الضامن، والممتدة على خمسة أجزاء كلُّ فلم منها مستقل بذاتِه متصلٌ بما سبقه، فهذه السلسلة تُعتَبَرالأولى من نوعها لأنها تتناول الواقع الفلسطيني العربي في الأراضي التي صار اسمها في خرائط العالم “إسرائيل”، فقبل أن يخرج البريطانيون من فلسطين ويُعلن الصهاينة دولةَ إسرائيل في الرابع عشر من أيار لعام 1948، كانت الفرصة قد أتيحت تماماً من قبل قوات الانتداب البريطاني أمام قوات الهاغاناة وغيرها من القوات الصهيونية لممارسة التطهير العرقي ضد الوجود العربي الفلسطينيالذي بلغ حينها حوالي مليون انسان، 80٪ من الفلسطينيين “الأكثرية الساحقة” تم تهجيرهم من 80٪ من مساحة فلسطين إلى ما تبقى من فلسطين (20٪) ونحو لبنان وسوريا والأردن وأنحاء متفرقة من العالم، وبعضهم هُجِّرَ داخل مساحة ال 80٪ من فلسطين فأصبحوا “مهجري الداخل”.

بقي من الفلسطينيين في داخل المساحة التي أعلنت عليها دولة “إسرائيل” مع  نهايات عام 1948 حوالي 160 ألفا، حملوا أسماء وصفات متعددة لحقَت بهم عند ذكرهم، منها “عرب إسرائيل، فلسطينيو 48، عرب الخط الأخضر، فلسطينيو الداخل وغيرها” إلا أنهم هم أهل تلك الأرض، هم “أصحاب البلاد”.

هذه السلسلة تسلط الضوء على الفلسطينيين داخل مدن وبلدات وقرى فلسطين داخل الخط الأخضر، وتحكي قصتهم بلِسانِهِم عبر مؤرخين وأكاديميين وناشطين وشهود عيان عاصروا السنوات الأولى للنكبة حتى اليوم، قصتهم التي تُعتَبَرُ الحجرَ الأساس في رواية النكبة الفلسطينية، فمِن تلك المُدُن والقرى بدأت عمليات التهجير والتطهير العرقي براً وبحراً، وبدأت عملية الاستيطان الاستعماري وسَنِّ القوانين التي تحاصر أصحاب البلاد بهدف التضييق عليهم وتطهيرهم عرقيا ببطء إلى اليوم.

لطالما تعامل العربُ وحتى بعض الفلسطينيين بحذر شديد مع الفلسطينيين الذين بقوا في بيوتهم وأرضهم تحت الاستعمار الصهيوني، أولاً بسبب قطيعة كاملة حدثت بينهم وبين فلسطينيي الداخل استمرت حوالي عقدين من الزمن (1948 – 1967)، وثانيا بسبب كونهم يحملون جواز السفر الإسرائيلي، وثالثاً بسبب الجهل بواقع حياتهم اليومي في داخل الكيان الصهيوني.

هذا الوثائقي يفتح آفاقاً جديدة للتفكير والنظر للمسألة من زاوية معلوماتية توثيقية، وليس تلك التي تريد إسرائيل ترويجها على أنَّ الفلسطينيين الذين بقوا في مدن وقرى فلسطين الساحلية والمثلث والنقب تم إنتاجهم ضمن المصنع الإسرائيلي على مقاس المواطنة الإسرائيلية. لهذا سنكتشف عبر الأجزاء الوثائقية الخمسة تفاصيل تتعلق بحياة الفلسطينيين في عكا وحيفا ويافا واللد وشفا عمرو وعرَّابة وكفر قاسم وغيرها، بشكل مباشر تحت الظروف التي فرضتها إسرائيل عليهم. إسرائيل التي صدرت منها ردود أفعال وتصريحات مختلفة تحتج على تسمية هذه السلسة ب” أصحاب البلاد” لأنها تشير بشكل صريح وواضح إلى أنَّ هناك أصحاباً للبلاد وكل ما عليها من أعلامٍ وعسكر ومستوطنات لا يمكن أن تلغي هذه الحقيقة.

سلسلة أصحاب البلاد كما سنرى في الأجزاء الخمسة تعمل على بناء تشابكات الحكاية لوضعها في إطارها الحقيقي، فالفلسطينيون الذين بقوا في فلسطين التاريخية هم ليسوا كل الصفات التي أُلحِقَت بهم تقليديا، لأنَّهُم باختصار: أصحاب البلاد، هم منَّا ونحنُ منهم.

زلزال التغيير لم يُصب فقط الجغرافية البشرية في فلسطين عام 1948 عبر التطهير العرقي للفلسطينيين، وإنما تعدَّاهُ إلى تزوير المكان وهذا ما سنكتشفه في فلم “اغتيال المدينة” الذي نقدِّمهُ أيضاً ضمن هذه الوحدة.