لم تتعرض قضية سياسية للتشويه والتضليل والمكائد مثلما تعرضت له قضية فلسطين في القرنين الماضيين، ما بين حروب عدة وثورات مضادة وكبح بريطاني وتوحش صهيوني وتخاذل عربي ودعم أميركي لا محدود ضاعت على إثرها أرض فلسطين رويداً رويداً، ونشأ مكانها كيان مسخ هو الكيان الصهيوني.
سنوات من الضياع عاشها الشعب الفلسطيني على أرضه وفي بلاد الشتات العربي والأجنبي، وبدأت مع الأيام تغيب عن ذاكرة الكثيرين الحقيقة الأكيدة لما جرى وكيف تم الاستيلاء على أرض الإسراء والمعراج، مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأرض الأنبياء جميعاً ابتداء من سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام.
ومع كل التشويه الإعلامي والتاريخي لهذه القضية العربية الإسلامية والمركزية، كان لا بد من مبادر ليمسك بزمام الأمور ويطلق مبادرة لتنشيط الذاكرة العربية والفلسطينية بأن هذه الأرض العربية، قد تم التهامها بليل وبتآمر دولي تقوده أولاً بريطانيا ثم تبعتها أميركا في وقت لاحق، تحت تأثير الضغوط الصهيونية ما بين الترهيب تارة والترغيب تارة أخرى.
ومنذ أسابيع مضت – وبالتحالف مع منظمات داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني- أطلقت السيدة الإعلامية روان الضامن مبادرتها المبتكرة «سفير فلسطين»، والتي تهدف إلى تكوين فريق من العرب والفلسطينين في الداخل المحتل وخارج الوطن، يكون قادراً على الرد على الدسائس والمؤامرات الصهيونية، ومحاولاتها الحثيثة لطمس الهوية الفلسطينية وتأكيد المفهوم الصهيوني «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض».
تتكون المبادرة من مجموعة من المواد السمعية والبصرية، مثل الوثائق والكتب وأفلام الفيديو والكثير منها من أرشيف الوثائق البريطاني، والتي كانت كنزاً ثميناً للباحث عن الحقيقة بين صفحات الماضي الكبير، والذي لم يكن متاحاً منذ سنوات لولا أن الحكومة البريطانية قد أفرجت عن هذا الأرشيف التاريخي، والذي يكشف بشكل لا لبس فيه الدور البريطاني المتحالف بشكل تام والداعم للحركة الصهيونية، وكيف تم صناعة «وعد بلفور» المشؤوم في العام 1917 والخطوات التحضيرية التي سبقت إطلاق الوعد وما بعده من إجراءات فعلية على الأرض، بدأت بعملية بناء المستوطنات، وانتقلت إلى هجرة اليهود من أوروبا الشرقية واليمن إلى فلسطين وانتهاء بعملية الترانسفير «وهي عملية إحلال السكان اليهود المهاجرين مكان السكان العرب الأصليين»، في أقذر عملية تعاونت فيها بريطانيا بمخالفة صريحة وواضحة لوعد بلفور، والذي يقضي في أحد بنوده بأنه لن يتم الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية للطوائف الأخرى غير اليهودية الذين ينتمون لأعراق مختلفة وثقافات متنوعة.
مبادرة سفير فلسطين ترتكز على تأصيل الثوابت والهوية العربية لفلسطين، وتعرض للباحث تفاصيل المؤامرات منذ هزيمة نابليون بونابرت على سواحل عكا في العام 1799 عندما أطلق دعوته لليهود الصهاينة لمناصرته، من أجل فتح فلسطين أمام هجرتهم لأرض الميعاد وتكوين مملكة الرب، وتعجيل الخلاص وعودة المسيح.
انطلقت المبادرة من خلال منصة إلكترونية بثلاث لغات (العربية والإنكليزية والإسبانية)، دشنت أعمالها في شهر سبتمبر الماضي، والتي تضم مساحات تعلم ونقاش عن بعد ومحاضرات رقمية متخصصة يتبعها مسابقة خلال صيف العام المقبل، والتي تستمر لمدة 9 شهور تنتهي بحصول الطالب على شهادة دبلوم «سفير فلسطين». هذه المبادرة الثقافية تستهدف كل الفئات المهتمة كبارا و صغاراً رجالاً ونساء فلسطينيين وغير فلسطينيين من تكوين نخبة من المثقفين، القادرين على مقارعة وسائل الإعلام الصهيونية ونصيراتها والتي تحاول شيطنة الفلسطيني وإيهام العالم بأن العرب شعوب متخلفة، وأنها تقف أمام عجلة التقدم والتحضر. وقد يكون التوقيت لإطلاق هذه الفكرة مناسباً خصوصاً مع عمليات التطبيع العلني والخفي مع العدو الصهيوني والاعتراف ضمناً به، من خلال الاعتراف بالأمر الواقع مما شكل خرقاً صهيونياً كبيراً للسد العربي المنيع، الذي تشكل منذ بداية القرن الماضي.
تتعرض المبادرة للعديد من القضايا المتعلقة بفلسطين، منها الحقوق التاريخية وعودة اللاجئين والتضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني طوال عقود، وتسليط الضوء بالدليل القاطع على دور كل من فرنسا وروسيا وألمانيا وبريطانيا وأميركا في دعم الإرهاب الصهيوني، من خلال الفكر المسيحي الصهيوني وطرد الزائد من اليهود إلى خارج أوروبا والتخلص من هذا الحمل الثقيل، وتكوين نواة لدولة مسخ في خاصرة العالم العربي تكون عونا لهم في تنفيذ سياساتهم في الشرق الأوسط… وقد أثبتت الأيام ذلك بالرغم من حسن النوايا التي تبديها بعض تلك الأطراف ولكن ما خفي كان أعظم.
المصدر: الراي – لزيارة صفحة الخبر يرجى زيارة الرابط